عجائب القلوب ومداخل إبليس في قلب الإنسان وكيفية ثبات القلوب على الخير
اعلم: أن أشرف ما في الإنسان قلبه، فإنه العالم بالله، العامل له،الساعي إليه، المقرب المكاشف، بما عنده، وإنما الجوارح أتباع وخدام له يستخدمها القلب استخدام الملوك للعبيد.ومن عرف قلبه عرف ربه، وأكثر الناس جاهلون بقلوبهم ونفوسهم، والله يحول بين المرء وقلبه، وحيلولته أن يمنعه من معرفته ومراقبته،فمعرفة القلب وصفاته أصل الدين، وأساس طريق السالكين.
مداخل إبليس في قلب الإنسان]
اعلم: أن القلب بأصل فطرته قابل للهدى، وبما وضع فيه من الشهوة والهوى، مائل عن ذلك، والتطارد فيه بين جندي الملائكة والشياطين دائم، إلى أن ينفتح القلب لأحدهما، فيتمكن، ويستوطن، ويكون اجتياز الثانى اختلاساً كما قال تعالى {من شر الوسواس الخناس} color=#76923c]:4] وهو الذي إذا ذكر الله خنس، وإذا وقعت الغفلة انبسط، ولا يطرد جند الشياطين من القلب إلا ذكر الله تعالى، فإنه لا قرار له مع الذكر.
واعلم: أن مثل القلب كمثل حصن، والشيطان عدو يريد أن يدخل الحصن،ويملكه ويستولى عليه، ولا يمكن حفظ الحصن إلا بحراسة أبوابه، ولا يقدر على حراسة أبوابه من لا يعرفها، ولا يتوصل إلى دفع الشيطان إلا بمعرفة مداخله، ومداخل الشيطان وأبوابه صفات العبد، وهى كثيرة، إلا أنا نشير إلى الأبواب العظيمة الجارية مجرى الدروب التي لا تضيق عن كثرة جنود الشيطان.
فمن أبوابه العظيمة: الحسد، والحرص، فمتى كان العبد حريصاً علىشئ، أعماه حرصه وأصمه، وغطى نور بصيرته التي يعرف بها مداخل الشيطان. وكذلك إذاكان حسوداً فيجد الشيطان حينئذ الفرصة، فيحسن عند الحريص كل ما يوصله إلى شهوته،وإن كان منكراً أو فاحشاً.
ومن أبوابه العظيمة: الغضب، والشهوة، والحدة، فإن الغضب غول العقل، وإذا ضعف جند العقل هجم حينئذ الشيطان فلعب بالإنسان. وقد روى أن إبليس يقول: إذا كان العبد حديداً، قلبنّاه كما يقلب الصبيان الكرة.
ومن أبوابه: حب التزيين في المنزل والثياب والأثاث، فلا يزال يدعوا إلى عمارة الدار وتزيين سقوفها وحيطانها، والتزين بالثياب، والأثاث، فيخسر الإنسان طول عمره في ذلك.
ومن أبوابه: الشبع، فإنه يقوى الشهوة، ويشغل الطاعة.
ومنها: الطمع في الناس، فإن من طمع في شخص، بالغ بالثناء عليه بماليس فيه، وداهنه، ولم يأمره بالمعروف، ولم ينهه عن المنكر.
ومن أبوابه: العجلة، وترك التثبت، وقد قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم: "العجلة من الشيطان، والتأني من الله تعالى"
ومن أبوابه: حب المال، ومتى تمكن من القلب أفسده، وحمله على طلب المال من غير وجهه، وأخرجه إلى البخل، وخوفه الفقر، فمنع الحقوق اللازمة.
ومن أبوابه: حمل العوام على التعصب في المذاهب، دون العمل بمقتضاها.
ومن أبوابه أيضاً: حمل العوام على التفكير في ذات الله تعالى،وصفاته، وفى أمور لا تبلغها عقولهم حتى يشككهم في أصل الدين.
ومن أبوابه: سوء الظن بالمسلمين، فإن من حكم على مسلم بسوء ظنه،احتقره وأطلق فيه لسانه، ورأى نفسه خيراً منه، وإنما يترشح سوء الظن بخبث الظان،لأن المؤمن يطلب المعاذير للمؤمن، والمنافق يبحث عن عيوبه. وينبغى للإنسان أنيحترز عن مواقف التهم، لئلا يساء به الظن، فهذا طرف من ذكر مداخل الشيطان، وعلاج هذه الآفات سد مداخل الشيطان بتطهير القلب من الصفات المذمومة، وسيأتي الكلام عن هذه الصفات، بقى للشيطان بالقلب خطرات واجتيازات من غير استقرار، فيمنعه من ذلك ذكرالله تعالى، وعمارة القلب بالتقوى. ومثل الشيطان كمثل كلب جائع يقرب منك، فإن لم يكن بين يديك لحم وخبزه، فإنه ينزجر بأن تقول له: اخسأ، وإن كان بين يديك شئ منذلك وهو جائع، لم يندفع عنك بمجرد الكلام، فكذلك القلب الخالي عن قوت الشيطان ينزجرعنه بمجرد الذكر. فأما القلب الذي غلب عليه الهوى، فإنه يرفع الذكر إلى حواشيه،فلا يتمكن الذكر من سويدائه، فيستقر الشيطان في السويداء. وإذا أردت مصداق ذلك،فتأمل هذا في صلاتك، وانظر إلى الشيطان كيف يحدث قلبك في مثل
هذا الموطن، بذكرالسوق، وحساب المعاملين، وتدبير أمر الدنيا.
واعلم:أنه قد عفي عن حديث النفس، ويدخل في ذلك ما هممت به، ومنترك ذلك خوفاً من الله تعالى كتبت له حسنة وإن تركه لعائق، رجونا له المسامحة، إلاأن يكون عزماً، فإن العزم على الخطيئة خطيئة، بدليل قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل: ما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه”.
وكيف لا تقع المؤاخذة بالعزم، والأعمال بالنية، وهل الكبر والرياء والعجب إلا أمور باطنة؟ ولو أن إنساناً رأى على فراشه أجنبية ظنها زوجته لم يأثم بوطئها، ولو رأى زوجته وظنها أجنبية أثم بوطئها، وكل هذا متعلق بعقد القلب.
ثبات القلوب على الخير]
وقد ورد في الحديث أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلوبناعلى دينك، يا مصرف القلوب اصرف قلبنا إلى طاعتك”وفى حديث آخر:"مثل القلب كمثل ريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح"أكثر من ذكر الله ومن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدي الصلاة على وقتها وإجعل لك ورد من القرآن قراءة وحفظ وأكثر من قول (لا حول ولا قوة إلا بالله ومن الباقيات الصالحات (سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر )أكثر من الصدقة وصلة الرحم ا كفل يتيماً إن إستطعت واعلم: أن القلوب في الثبات على الخير والشر والتردد بينهما ثلاثة:
القلب الأول: قلب عَمُرَّ بالتقوى، وزكى بالرياضة، وطهر عن خبائث الأخلاق، فتتفرج فيه خواطر الخير من خزائن الغيب، فيمده الملك بالهدى.
القلب الثانى: قلب مخذول، مشحون بالهوى، مندس بالخبائث، ملوث بالأخلاق الذميمة، فيقوى فيه سلطان الشيطان لاتساع مكانه، ويضعف سلطان الإيمان، ويمتلئ القلب بدخان الهوى، فيعدم النور، ويصير كالعين الممتلئة بالدخان، لا يمكنها النظر، ولا يؤثر عنده زجر ولا وعظ.
والقلب الثالث: قلب يبتدئ فيه خاطر الهوى،فيدعوه إلى الشر، فيلحقه خاطر الإيمان فيدعوه إلى الخير.مثاله، أن يحمل الشيطان حملة على العقل، ويقوى داعي الهوى ويقول: أما ترى فلاناً وفلاناً كيف يطلقون أنفسهم في هواها، حتى يعد جماعة من العلماء، فتميل النفس إلى الشيطان،فيحمل الملك حملة على الشيطان، ويقول: هل هلك إلا من نسى العاقبة، فلا تغتر بغفلة الناس عن أنفسهم، أرأيت لو وقفوا في الصيف في الشمس ولك بيت بارد، أكنت توافقهم أم تطلب المصلحة؟ أفتخالفهم في حر الشمس، ولا تخالفهم فيما يؤول إلى النار؟ فتميل النفس إلى قول الملك، ويقع التردد بين الجندين، إلى أن يغلب على القلب ما هو أولى به، فمن خلق للخير يسر له، ومن خلق للشر يسر له: [color=red]{فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء}